الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وأخرج البخاري ومسلم والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في سننه عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءها حين أمره الله أن يخير أزواجه قالت: فبدأ بي فقال: «إني ذاكر لك أمرًا فلا عليك أن تستعجلي حتى تستأمري أبويك» قد علم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه، فقال: إن الله قال: {يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها} إلى تمام الآيتين. فقلت له: ففي أي هذا استأمر أبوي، فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة، وفعل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما فعلت.وأخرج ابن سعد عن عمرو بن سعيد عن أبيه عن جده قال لما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه بدأ بعائشة رضي الله عنها قال: إن الله خيرك فقالت: اخترت الله ورسوله، ثم خير حفصة رضي الله عنها فقلن جميعًا: اخترنا الله ورسوله، غير العامرية اختارت قومها، فكانت بعد تقول: أنا الشقية، وكانت تلقط البعر وتبيعه، وتستأذن على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وتقول: أنا الشقية.وأخرج ابن سعد عن أبي جعفر رضي الله عنه قال: قال نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما نساء أغلى مهورًا منا، فغار الله لنبيه صلى الله عليه وسلم، فأمره أن يعتزلهن، فاعتزلهن تسعة وعشرين يومًا، ثم أمره أن يخيرهن فخيرهن.وأخرج ابن سعد عن أبي صالح قال: اخترنه صلى الله عليه وسلم جميعًا غير العامرية، كانت ذاهبة العقل حتى ماتت.وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن عائشة رضي الله عنها قالت حلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ليهجرنا شهرًا، فدخل عليَّ صبيحة تسعة وعشرين، فقلت: يا رسول الله ألم تكن حلفت لتهجرنا شهرًا، قال: إن الشهر هكذا وهكذا وهكذا. وضرب بيده جميعًا، وخنس يقبض أصبعًا في الثالثة ثم قال: «يا عائشة إني ذاكر لك أمرًا، فلا عليك أن تعجلي حتى تستشيري أبويك» وخشي رسول الله صلى الله عليه وسلم حداثة سني قلت: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: إني أمرت أن أخيركن، ثم تلا هذه الآية: {يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها} إلى قوله: {أجرًا عظيمًا} قالت: فيم استشير أبوي يا رسول الله؟ بل اختار الله ورسوله، فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، وسمع نساؤه فتواترن عليه.وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إنما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم أزواجه بين الدنيا والآخرة.وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة والحسن رضي الله عنهما قالا: أمره الله أن يخيرهن بين الدنيا والآخرة، والجنة والنار، قال الحسن رضي الله عنه: في شيء كن أردنه من الدنيا.وقال قتادة رضي الله عنه: في غيرة كانت غارتها عائشة رضي الله عنها، وكان تحته يومئذ تسع نسوة، خمس من قريش. عائشة. وحفصة. وأم حبيبة بنت أبي سفيان. وسودة بنت زمعة. وأم سلمة بنت أبي أمية. وكانت تحته صفية بنت حيي الخيبرية. وميمونة بنت الحارث الهلالية. وزينب بنت جحش الأسدية. وجويرية بنت الحارث من بني المصطلق. وبدأ بعائشة رضي الله عنها، فلما اختارت الله ورسوله والدار الآخرة رؤي الفرح في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتابعن كلهن على ذلك، فلما خيرهن واخترن الله ورسوله والدار الآخرة، شكرهن الله تعالى على ذلك إذ قال: {لا تحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن} فقصره الله تعالى عليهن، وهن التسع اللاتي اخترن الله ورسوله.وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله: {يا أيها النبي قل لأزواجك}. قال أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يخبر نساءه في هذه الآية فلم تختر واحدة منهن نفسها غير الحميرية.وأخرج البيهقي في السنن عن مقاتل بن سليمان رضي الله عنه في قوله: {يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة} يعني العصيان للنبي صلى الله عليه وسلم {يضاعف لها العذاب ضعفين} في الآخرة {وكان ذلك على الله يسيرًا} يقول: وكان عذابها عند الله هينًا {ومن يقنت} يعني من يطع منكن الله ورسوله {وتعمل صالحًا نؤتها أجرها مرتين} في الآخرة بكل صلاة أو صيام أو صدقة أو تكبيرة أو تسبيحة باللسان، مكان كل حسنة تكتب عشرين حسنة {واعتدنا لها رزقًا كريمًا} يعني حسنًا. وهي الجنة.وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {يضاعف لها العذاب ضعفين} قال: عذاب الدنيا وعذاب الآخرة.وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله: {يضاعف لها العذاب ضعفين} قال: يجعل عذابهن ضعفين، ويجعل على من قذفهن الحد ضعفين.وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس رضي الله عنه في قوله: {يا نساء النبي}. قال: إن الحجة على الأنبياء أشد منها على الأتباع في الخطيئة، وإن الحجة على العلماء أشد منها على غيرهم، فإن الحجة على نساء النبي صلى الله عليه وسلم أشد منها على غيرهن، فقال: إنه من عصى منكن فإنه يكون عليها العذاب الضعف منه على سائر نساء المؤمنين، ومن عمل صالحًا فإن الأجر لها الضعف على سائر نساء المسلمين. اهـ.
وقبل أن أشرع في دفع هذه الاتهامات الباطلة التي يثيرها الأعداء على نظام تعدد الزوجات أريد أن أبيّن حقيقة هامة، لها أكبر الارتباط بالكتّاب الإسلاميين الذين يكتبون عن الإسلام في هذا العصر، وهي أنهم- في أكثر مايكتبون- يظهرون الإسلام بمظهر المتهم، ويضيعونه حين يتولون الدفاع عنه في موضع الريبة والشك، بل يصل الأمر عند البعض يؤولوا النصوص، ويقلبوا الحقائق، إبعادًا للإسلام عن التهمة، وتوفيقًا بين مبادئ الإسلام وأراجيف الأعداء.وهذا من الخطأ الفادح الذي وقع فيه كثير من الكتّاب في هذا العصر، وفي تقديري أنهم يسيئون أكثر مما يحسنون، ويزيدون التهمة تعميقًا وتثبيتًا أكثر مما يدافعون، وما كان عليهم لو أنهم وقفوا في ردودهم وكتاباتهم مقف الهجوم لكل من ينال من نظام الإسلام، أو يمس قدسية الرسول عليه الصلاة والسلام؟ فلو أنهم فعلوا مثل هذا لأفهموا خصوم الإسلام: أن مبادئ الشريعة ةنظم القرآن، هي الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وماعداه من أنظمة وضعية وقوانين بشرية، فيها الكثير من القصور والنقص والباطل. ولا شك من ذلك. ولو أنهم وقفوا من أعداء الإسلام موقف الهجوم لوضعوا التشريع الإسلامي موضعه اللائق به من التشريف والتكريم، ليعلم كل ذي عقل وفيهم أن للإسلام دوره العظيم، ومهمته الكبرى، في رد الناس إلى الحق، وهداية البشرية الحائرة. وما أجمل تعبير القرآن حين أعلن حكم الله، وهاجم حكم الجاهلية في قوله: {أَفَحُكْمَ الْجَاهليّة يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ منَ اللّه حُكْمًا لّقَوْمٍ يُوقنُونَ} ألا فليأخذ كتّاب الإسلام من القرآن الكريم طريقة الرد ومنهج المناظرة في دفاعهم عن نظام الإسلام، حتى لايقعوا في الخطأ الذي وقعوا فيه، وعلى الله قصد السبيل.وبعد هذه التقدمة سأشرع في بيان نظام الإسلام في تعدد الزوجات، ثم أعّرج على ذكر الحكمة من تعدد أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وأرى- إن شاء الله- بعد ذكر هذه الحقائق أن شبابنا وشاباتنا الذي تأثروا بالدعايات المغرضة، والإشاعات الكاذبة سيؤوبون إلى الحق، ويثوبون على الرشد، ويؤمنون من قرارة نفوسهم: أن الإسلام دين العزة والكرامة، وتشريع الحق والهداية، ومبدأ العدالة والمساواة، ومنهج حكم، ونظام حياة. صدق الله العظيم القائل في محكم كتابه {وَأَنّ هََذَا صرَاطي مُسْتَقيمًا فَاتّبعُوهُ وَلاَ تَتّبعُوا السّبُلَ فَتَفَرّقَ بكُمْ عَن سَبيله ذَلكُمْ وَصّاكُمْ به لَعَلّكُمْ تَتّقُونَ}.
|